الخميس، 28 يناير 2016

تهويل د. محمد المدخلي في إبطاله لعبارة:"غلاة التجريح"



الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد, فقد سمعت مقطعا صوتيا عُنون له بـ" القول الصريح في إبطال نبذ أهل السنة بغلاة التجريح" للدكتور محمد بن هادٍ المدخلي

حيث ذكر فيه الدكتور:" أن هناك شيئا ينبغي التنبيه عليه وذلك لحصول اللبس فيه ذلكم الأمر هو: طعن الطاعنين في علماء السنة وأهل السنة الناصحين للأمة والمحذرين لهم... بأنهم "غلاة التجريح".

والحمد لله أن جعل كذب هؤلاء صريحا مفضوحا...

وأن أهل السنة جميعا في جانب الطعن بالبدعة متفقون على هجر أهل البدع, ومباينتهم, والتحذير منهم, وهجرانهم...

واليوم يريدون بهذه المقالة الخبيثة الجائرة المجرمة التنفير من علماء السنة الناصحين للأمة من اهل البدع ..) إلى آخر كلامه.

أقول:

بدأ الدكتور محمد كلامه بالإطلاق والتهويل, وختم كلامه بذلك, وهذا خلاف التحقيق والتدقيق, بل هو غير مطابق للواقع.

وكان الواجب على الدكتور أن يقيد ويفصل, لا أن يطلق ويجمل.

والقاعدة :" يمنع الإطلاق في موضع التفصيل المحتاج إليه"

وللإطلاق مفاسد، منها: حصول اللبس، واندراج الحسن والقبيح، والمحمود والمذموم، والمحق والمبطل، والحق والباطل فيه.

قال ابن حزم رحمه الله:"والكلام إذا أُجمل اندرج فيه تحسين القبيح وتقبيح الحسن ألا ترى لو أن قائلاً قال: إن فلاناً يطأ أخته! لفحش ذلك ولاستقبحه كل سامع له حتى إذا فُسّر فقال: هي أخته في الإسلام ظهر فُحش هذا الإجمال وقبحه".
كما هو ذريعة للتشاحن والتخاصم، والعداوة، وهذه محرمة فيكون ما يؤدي إليها كذلك.

ولله در شيخ الإسلام القائل:( ... حتى تجد الرجلين يتخاصمان ويتعاديان على إطلاق ألفاظ ونفيها، ولو سئل كل منهما عن معنى ما قاله لم يتصوره فضلا عن أن يعرف دليله ولو عرف دليله لم يلزم أن من خالفه يكون مخطئا بل يكون قوله نوع من الصواب وقد يكون هذا مصيبا من وجه وهذا مصيبا من وجه وقد يكون الصواب في قول ثالث")

والدكتور محمد لم ينصف ويدقق؛ لإطلاقه.

والذي يستدعيه المقام هو: التفصيل, وإعطاء كل صورة حقها وحكمها.

ولذا رأيت أن أبين حكم العبارة - وهي:"غلاة التجريح" – وإطلاقها.

خصوصا بعد انتشار كلامه بين من لا يفرق بين الصواب والخطأ.

والتحقيق في هذا المقام هو: التفصيل، وهو على النحو الآتي:

أولا: عبارة "غلاة التجريح" في ذاتها

الغلو بمعنى: مجاوزة الحد، وهو لفظ جاء به الشرع.

قال تعالى: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم

وأصلها: غلا.

وهنا قد أضيف إلى التجريح فيكون معناه: مجاوزة الحد في التجريح

وهذه العبارة في نفسها بغض النظر عمن أضيفت إليه من الأشخاص يصح إطلاقها من وجه, ويمنع إطلاقها من وجه آخر؛ فيصح إطلاقها على من جاوز الحد في التجريح, فبدأ يجرح بما ليس بمجرح, أو يهجر مطلقا من غير نظر لتحقق المصلحة الراجحة, ودرء المفسدة الراجحة.

ويمنع إطلاقها فيمن جرح بحق وعدل, وبدع من يستحق التبديع وفق الضوابط المرعية عند أهل السنة والجماعة.

ثانيا: الواصفون غيرهم بـ" غلاة التجريح"

الواصفون غيرهم بـ غلاة التجريح" لا يخرجون من أحوال:

الحال الأولى: أن يطلقها الواصف على جميع علماء السنة بلا استثناء, فهذا لا يصدر إلا عمن ليس من أهل السنة, ومن كان في قلبه ضغينة عليهم.

الحال الثانية: أن يطلقها على بعض أهل السنة ممن يجرح بحق وعدل, مع مراعاة المصالح والمفاسد, فهذا ظالم لهم, متجنٍّ عليهم, يستحق العقوبة إذا توفرت فيه الشروط.

الحال الثالثة: أن يطلقها على بعض أهل السنة ممن جرح بغير حق, وظلم واعتدى على حقوق الناس, فهذا محق ولا تثريب عليه.

ولا يصح أن تؤخذ آثار السلف التي فيها التحذير من أهل البدع وهجرانهم فيحاجَج بها بإطلاق من قال:"غلاة التجريح"، كما فعل الدكتور محمد المدخلي.

فهذا من الظلم, والتجني, وعدم تحقيق المناط.

ومن لم يحقق المناط فلا يمكنه تنزيل الأحكام الشرعية

قال ابن تيمية:( فإن الحكم معلق بوصف يحتاج في الحكم على المعين إلى أن يعلم ثبوت ذلك الوصف فيه)

والسلف يتكلمون عن المبتدع حقيقة، لا على من ظُنَّ انه مبتدع وهو ليس كذلك.

فاختلف المحل، وباختلاف المحل يختلف الحكم.

كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق